فصل: فصل: (القصاص في الذكَر)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ الحضانة

إذا افترق الزوجان وبينهما طفل أو مجنون وجبت حضانته لأنه إن ترك ضاع وهلك فيجب إحياؤه وأحق الناس بالحضانة الأم لأن أبا بكر الصديق قضى بعاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأمه أم عاصم وقال لعمر‏:‏ ‏[‏ريحها وشمها ولطفها خير له منك‏]‏ رواه سعيد واشتهر ذلك في الصحابة رضي الله عنهم فلم ينكر فكان إجماعا ولأن الأم أقرب وأشفق ولا يشاركها في قربها إلا الأب وليس له شفقتها ولا يلي الحضانة بنفسه فإن عدمت الأم أو لم تكن من أهل الحضانة فأحقهم بها أمهاتها الأقرب فالأقرب لأنهن أمهات ولا يشاركهن إلا أمهات الأب وهن أضعف منهن ميراثا ثم الأب لأنه أحد الأبوين ثم أمهاته وإن علون ثم الجد ثم أمهاته وعنه‏:‏ أن أمهات الأب أولى من أمهات الأم لأنهن يدلين بعصبة فعلى هذا يكون الأب بعد الأم ثم أمهاته ثم أمهات الأم وعنه‏:‏ أن الخالة والأخت من الأم أحق من الأب لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏الخالة أم‏]‏ فعلى هذا الأخت من الأبوين أحق منه ومنهما لأنها أدلت بالأم وزادت بقرابة الأب والأول المشهور في المذهب فإذا انقرض الآباء والأمهات انتقلت إلى الأخت من الأبوين ويحتمل أن ينتقل إلى الأخ لأنه عصبة والأول أولى لأنها امرأة فتقدم على من في درجتها من الذكور كالأم والجدة ولأنها تلي الحضانة بنفسها ثم الأخت من الأب لأنها تقوم مقام الأخت من الأبوين وترث ميراثها ثم الأخت من الأم لأنها ركضت معها في الرحم ثم الأخ للأبوين ثم الأخ للأب ثم بنوهم كذلك فإذا انقرض الأخوة والأخوات فالحضانة للخالات ويحتمل كلام الخرقي تقديم العمات لأنهن يدلين بعصبة فقدمن كتقديم الأخت من الأب على الأخت من الأم والأولى أولى لأنهن استوين في عدم الميراث فكان من يدلي بالأم أولى ممن يدلي بالأب كالجدات ولأن الخالة أم ثم العمات وتقدم التي من الأبوين ثم التي من الأب ثم التي من الأم ثم الأعمام ثم بنوهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حق الحضانة للعصبة من الرجال‏]‏

وللرجال من العصبات حق في الحضانة بدليل ما روي أن عليا وجعفرا وزيد بن حارثة تنازعوا في حضانة بنت حمزة فقال علي‏:‏ بنت عمي وعندي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال زيد بن حارثة‏:‏ بنت أخي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين زيد وحمزة وقال جعفر‏:‏ بنت عمي وعندي خالتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الخالة أم‏]‏ وسلمها إلى جعفر رواه أبو داود إلا أن العم لا حضانة له في جارية لأنه ليس بمحرم لها فلا تسلم إليه وأولادهم بالحضانة أولادهم بالميراث فأما الرجال من ذوي الأرحام كالأخ من الأم والخال وأبي الأم والعم من الأم فلا حضانة لهم مع أحد من أهل الحضانة لأنهم لا يحضنون بأنفسهم وليس لهم قرابة قوية يستحقون بها ولا حضانة لمن يدلي بهم من النساء لأنه إذا لم يثبت لهم حضانة فمن أدلى بهم أولى فإن عدم أهل الحضانة احتمل أن تنتقل إليهم لأنهم يرثون عند عدم الوارث فكذلك يحضنون عند عدم من يحضن واحتمل أن لا يثبت لهم حضانة وتنتقل إلى الحاكم لما ذكرناه أولا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحضانة للرقيق‏]‏

ولا حضانة لرقيق لعجزه عنها بخدمة المولى ولا لمعتوه لعجزه عنها ولا لفاسق لأنه لا يوفي الحضانة حقها ولا حظ للولد في حضانته لأنه ينشأ على طريقته ولا لكافر على مسلم كذلك ولا للمرأة إذا تزوجت أجنبيا من الطفل لما روى عبد الله بن عمر بن العاص‏:‏ أن امرأة قالت‏:‏ يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أنت أحق به ما لم تنكحي‏]‏ رواه أبو داود ولأنها تشتغل عن الحضانة بالاستمتاع وقد روي ههنا عن أحمد‏:‏ إذا تزوجت الأم وابنها صغير أخذ منها قيل له‏:‏ فالجارية مثل الصبي‏؟‏ قال‏:‏ لا الجارية تكون معها إلى سبع سنين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل بنت حمزة عند خالتها إلى سبع وهي مزوجة والأول‏:‏ المذهب وإنما تركت بنت حمزة عند خالتها لأن زوجها من أهل الحضانة‏.‏

وإن تزوجت المرأة بمن هو من أهل الحضانة كالجدة المزوجة بالجد لم تسقط حضانتها لأن كل واحد منهما له الحضانة منفردا فمع اجتماعهما أولى ومتى زالت الموانع منهم مثل أن طلقت المرأة المزوجة أو عتق الرقيق أو عقل المعتوه أو أسلم الكافر أو عدل الفاسق عاد حقهم من الحضانة لأنه زال المانع فثبت الحكم بالسبب الخالي من المانع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من ثبتت له الحضانة فتركها‏]‏

ومن ثبتت له الحضانة فتركها سقط حقه منها وهل يسقط حق من يدلي به‏؟‏ على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ يسقط لأنه فرع عليه فإذا سقط الأصل سقط التبع‏.‏

والثاني‏:‏ لا يسقط لأن حق القريب سقط لمعنى اختص به فاختص السقوط به كما لو سقط لمانع فعلى هذا إذا تركت الأم الحضانة فهي لأمها وعلى الأول‏:‏ تنتقل إلى الأب وإذا استوى اثنان من أهل الحضانة كالأختين والعمتين أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة قدم لأنهما استويا من غير ترجيح فقدم أحدهما بالقرعة كالعبدين في العتق والزوجتين في السفر بإحداهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تخيير الغلام إذا بلغ سبع سنين‏]‏

وإذا بلغ الغلام سبعا وهو غير معتوه خير بين أبويه فكان مع من اختار منهما لما روى أبو هريرة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه رواه سعيد وروى أبو داود بإسناده عن أبي هريرة قال‏:‏ جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله يريد زوجي أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت‏]‏ فأخذ بيد أمه فانطلقت به فإن لم يختر واحدا منهما أو اختارهما معا قدم أحدهما بالقرعة لأنهما تساويا وتعذر الجمع فصرنا إلى القرعة وإن اختار الأم أو صار لها بالقرعة كان عندها ليلا ويأخذه الأب نهارا ليسلمه في مكتب أو صناعة لأن القصد حظ الولد وحظه فيما ذكرنا وإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ولا يمنع من زيارة أمه لما فيه من الإغراء بالعقوق وقطيعة الرحم وإن مرض صارت الأم أحق بتمريضه لأنه صار كالصغير في حاجته إلى من يقوم بأمره وإن مرض أحد الأبوين وهو عند الآخر لم يمنع من عيادته وحضروه عنده لما ذكرنا وإن اختار أحدهما ثم عاد فاختار الآخر سلم إليه ثم إن اختار الأول رد إليه لأن هذا اختيار تشه وقد يشتهي أحدهما في وقت دون وقت فأتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه من مأكول ومشروب وإن لم يكن له أب خير بين أمه وعصبته لما روى عامر بن عبد الله قال‏:‏ خاصم عمي أمي وأراد أن يأخذني فاختصما إلى علي رضي الله عنه فخيرني علي ثلاث مرات فاخترت أمي فدفعني إليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا بلغت الجارية سبع سنين‏]‏

وإذا بلغت الجارية سبعا تركت عند الأب بلا تخيير لأن حظها في الكون عند أبيها لأنها تحتاج إلى الحفظ والأب أولى به ولأنها تقارب الصلاحية للتزويج وإنما تخطب من أبيها لأنه وليها والمالك لتزويجها وتكون عنده ليلا ونهارا لأن تأديبها وتخريجها في البيت ولا تمنع الأم من زيارتها من غير أن يخلو بها الزوج ولا تطيل ولا تتبسط لأن الفرقة بين الزوجين تمنع تبسط أحدهما في منزل الآخر وإن مرضت فالأم أحق بتمريضها في بيتها لما ذكرناه في الغلام وإن مرضت الأم لم تمنع الجارية من عيادتها لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان الولد بالغا رشيدا‏]‏

وإن كان الولد بالغا رشيدا فلا حضانة عليه والخيرة إليه في الإقامة عند من شاء منهما وإن أراد الانفراد وهو رجل فله ذلك لأنه مستغن عن الحضانة ويستحب ألا ينفرد عنهما ولا يقطع بره لهما لقول اله تعالى‏:‏ ‏{‏وبالوالدين إحسانا‏}‏ وإن كانت جارية فلأبيها منعها من الانفراد لأنه لا يؤمن عليها دخول المفسدين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أراد أحد أبوي الطفل السفر والآخر الإقامة‏]‏

وإن أراد أحد أبوي الطفل السفر والآخر الإقامة والطريق أو البلد الذي يسافر إليه مخوف أو كان السفر لحاجة ثم يعود فالمقيم أحق بالولد لأن في السفر ضررا وفي تكليفه السفر مع العود إتعاب له ومشقة عليه وإن كان السفر لنقلة إلى بلد آمن بعيد في طريق آمن فالأب أحق بالولد لأنه كونه مع أبيه أحفظ لنسبه وأحوط عليه وأبلغ في تأديبه وتخريجه وإن انتقلا جميعا فالأم على حقها من الحضانة وإن كانت النقلة إلى مكان قريب بحيث يمكن الأب رؤيتهم كل يوم فالأم على حضانتها لأن مراعاة الأب له ممكنة وإن كان أبعد من ذلك فظاهر كلام أحمد‏:‏ انقطاع حق أمه من الحضانة لعجز الأب عن مراعاة ولده فهو كالسفر البعيد وقال القاضي‏:‏ إن كان دون مسافة القصر فالأم على حضانتها لأنه في حكم القريب‏.‏

باب‏:‏ نفقة المماليك

ويجب على الرجل نفقة مملوكه مما لا غنى عنه وكسوته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف في العمل ما لا يطيق‏]‏ متفق عليه ويجب نفقته من قوت بلده لأن المتعارف والمستحب أن يطعمه مما يأكل ويكسوه مما يلبس لما روى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه‏]‏ متفق عليه وإن ولي طعامه استحب له أن يطعمه منه لما روى أبو هريرة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي دخانه وحره‏]‏ رواه البخاري وهو مخير بين أن يجعل نفقته في كسبه وبين أن ينفق عليه من ماله ويأخذ كسبه أو يجعله برسم خدمته لأن الكل خدمته فإن جعل نفقته في كسبه وكان وفق الكسب فحسن وإن كان في الكسب فضل فهو لسيده وإن كان فيه عوز فعلى سيده تمامه ويستحب التسوية بين عبيده وإمائه في النفقة والكسوة ويجوز له التفضيل وإن كان في بعض إمائه من يعدها للتسري فلا بأس بزيادتها في الكسوة لأن ذلك هو العادة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حد النفقة على المماليك‏]‏

وعلى السيد إعفافه إذا طلب ذلك فإن امتنع أجبر على بيعه إذا طلب ذلك وإن طلبت الأمة التزويج وكان يستمتع بها لم يجبر على تزويجها لأنه يكفيها وعليه في تزويجها ضرر وإن لم يستمتع بها لزمه إجابتها أو بيعها وإن كان لعبده زوجة مكنه من الاستمتاع بها ليلا لأنه إذنه في النكاح تضمن إذنه في الاستمتاع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حد تكليف المماليك بالعمل‏]‏

ولا يجوز أن يكلفه في العمل ما يغلبه أو يشق عليه للخبر وإن سافر به أركبه عقبة ولا يجبر العبد على المخارجة لأنه معاوضة فلم يجبر عليها كالكتابة وإن طلب العبد ذلك لم يجبر عليه المولى كذلك وإن اتفقا عليها وله الكسب جاز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حجمه أبو طيبة فأعطاه أجره وسأل مواليه أن يخففوا عنه من خراجه وإن لم يكن له كسب لم يجز لأنه لا يقدر على أن يدفع إليه من جهة حل فلم يجز وإن مرض العبد أو الأمة أو زمنا أو عميا لزمه نفقتهما لأن نفقتهما بالملك وهو موجود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم استرضاع الأمة لغير ولدها‏]‏

وليس له أن يسترضع الأمة لغير ولدها إلا أن يكون فيها فضل عن ريه لأن فيه إضرارا بولدها واللبن مخلوق له فوجب أن يقدم فيه على غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يطالب به من ملك بهيمة‏]‏

ومن ملك بهيمة لزمه القيام بعلفها لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا فدخلت النار فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض‏]‏ متفق عليه ولا يجوز أن يحمل عليها ما لا تطيق لأنه إضرار بها فمنع منه كترك الإنفاق ولا يحلب منها إلا ما فضل عن ولدها لأنها غذاء للولد فلم يملك منعه منه فإن امتنع من الإنفاق عليها أجبر على بيعها فإن أبى اكتريت وأنفق عليها فإن أمكن وإلا بيعت كما يزال ملكه عن زوجته إذا أعسر بنفقتها بلغت القراءة والحمد لله رب العالمين‏.‏

كتاب‏:‏ الجنايات

قتل الآدمي بغير حق محرم وهو من الكبائر إذا كان عمدا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها‏}‏ الآية ويوجب القصاص لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى‏}‏ الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يقتل وإما أن يفدى‏]‏ متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أنواع القتل‏]‏

والقتل على ثلاثة أضرب عمد وهو‏:‏ أن يقصده بمحدد أو ما يقتل غالبا فيقتله‏.‏

والثاني‏:‏ الخطأ وهو‏:‏ أن لا يقصد إصابته فيصيبه فيقتله فلا قصاص فيه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏رفع عن أمتي الخطأ والنسيان‏]‏ ولأن القصاص عقوبة فلا تجب بالخطأ كالحد‏.‏

والثالث‏:‏ خطأ العمد وهو أن يقصد إصابته بما لا يقتل غالبا فيقتله فلا قصاص فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إلا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل‏]‏ رواه أبو داود ولأنه لم يقصد القتل فلا تجب عقوبته كما لا يجب حد الزنا بوطء الشبهة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط وجوب القصاص‏]‏

يشترط لوجوب القصاص أربعة شروط‏:‏

أحدها‏:‏ العمد لما ذكرنا‏.‏

‏[‏فصل‏:‏ الشرط الثاني من شروط وجوب القصاص‏]‏

والثاني‏:‏ كون القاتل مكلفا فلا يجب على صبي لا مجنون ولا نائم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ‏]‏ ولأنه عقوبة مغلظة فلم تجب عليهم كالحد فإن وجب عليه القصاص ثم جن لم يسقط لأنه حق لآدمي فلم يسقط بجنونه كسائر الحقوق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الثالث من شروط وجوب القصاص‏]‏

الثالث‏:‏ أن يكون المقتول مكافئا للقاتل وهو أن يساويه في الدين والحرية أو الرق فيقتل الحر المسلم بالحر المسلم ذكرا كان أو أنثى ويقتل العبد المسلم بالعبد المسلم ذكرا كان أو أنثى تساوت قيمتاهما أو اختلفتا وعنه‏:‏ لا يجري القصاص بين العبيد إلا أن تتساوى قيمتهم لأنه بدل مال فيعتبر فيه التساوي كالقيمة والأول‏:‏ الصحيح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى‏}‏ ولأنه قصاص فلا يعتبر فيه التساوي في القيمة كالأحرار وعن أحمد‏:‏ أن الرجل إذا قتل المرأة يدفع إليه نصف ديته لأن ديتها نصف ديته والمذهب خلاف هذا لما روى عمر بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن‏:‏ أن الرجل يقتل بالمرأة رواه النسائي ولأنه قصاص واجب فلم يوجب رد شي كقتل الجماعة بالواحد‏.‏

ويقتل الحر الذمي بالحر الذمي والعبد الذمي بمثله لأنهم تساووا فأشبهوا المسلمين ويقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر والأنثى بالذكر والمرتد بالذمي لأنه إذا قتل بمثله فبمن هو أعلى منه أولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏قتل المسلم بالكافر‏]‏

ولا يقتل مسلم بكافر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مسلم بكافر‏]‏ رواه النسائي ووافقه على آخره البخاري‏.‏

ولا يقتل حر بعبد لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد‏}‏ فيدل على أنه لا يقتل به الحر وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال‏:‏ من السنة ألا يقتل حر بعبد وإن قتل ذمي حر عبدا مسلما فعليه قيمته ويقتل لنقضه العهد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يعتبر في التكافؤ‏]‏

والاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب لأنه عقوبة على جناية فاعتبر بحالة الوجوب كالحد فلو قتل ذمي ذميا ثم أسلم القاتل أو جرح ذمي ذميا ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبدا أو جرحه ثم عتق الجارح ومات المجروح وجب القصاص لأنهما متكافئان في حال الجناية ولأن القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن‏.‏

وإن جرح مسلم ذميا أو جرح عبدا ثم أسلم المجروح وعتق ومات لم يجب القصاص لعدم التكافؤ في حال الوجوب وإن قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي ثم أسلم ومات فلا قود ولا دية لأنه لم يجن على معصوم وإن قطع مسلم يد مسلم فارتد المجروح ومات فلا قصاص في النفس لأنه حال الموت مباح الدم وفي اليد وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجب القصاص فيها لأن التكافؤ بينهما موجود في حال قطعها‏.‏

والثاني‏:‏ لا قصاص فيها لأننا تبينا أن قطعها قبل ولم يوجب القتل فلا يوجب غيره ولأن الطرف تابع للنفس فسقط تبعا لسقوط القصاص فيها وإن جرح مسلم مسلما فارتد المجروح ثم أسلم ومات وجب القصاص نص عليه لأنهما متكافئان حال الجناية والموت أشبه ما لو لم يرتد وذكر القاضي وجها آخر أنه إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص لأن السراية في حالة الردة لا توجب فقد مات من جرح موجب وسراية غير موجبة فلا توجب كما لو قتله بجرحين خطأ وعمد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم القصاص على قاتل حربي‏]‏

ولا قصاص على قاتل حربي لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم‏}‏ ولا على قاتل مرتد كذلك ولأنه مباح الدم أشبه الحربي ولا على قاتل زان محصن كذلك وسواء كان القاتل مسلما أو ذميا فإن قتل من عرفه مرتدا وكان قد أسلم ولا يعلم إسلامه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا قصاص عليه لأنه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا بعد أن أسلم‏.‏

والثاني‏:‏ عليه القصاص لأنه قتل مكافئا عدوانا عمدا والظاهر أنه لا يخلى في دار الإسلام إلا بعد إسلامه بخلاف من في دار الحرب وإن قتل من يعرفه ذميا أو عبدا وكان قد أسلم وعتق فعليه القصاص لأنه قصد قتل معصوم وهو مكافئ له فأشبه من علم حاله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط الرابع من شروط وجوب القصاص‏]‏

الشرط الرابع‏:‏ انتفاء الأبوة فلا يقتل والد بولده وإن سفل والأب والأم في هذا سواء وعنه‏:‏ ما يدل على أن الأم تقتل بولدها والمذهب‏:‏ الأول لما روى عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا يقتل والد بولده‏]‏ رواه ابن ماجة ولأنها أحد الوالدين فأشبهت الأب والجد والجدات من قبل الأب ومن قبل الأم وإن علوا يدخلون في عموم الخبر ولأنه حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل لحوق نسبه بأحدهما‏]‏

وإذا ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل لحوق نسبه بأحدهما فلا قصاص فيه لأن كل واحد يجوز أن يكون أباه ويجوز أن يكونا أبويه وإن رجع أحدهما عن الدعوة أو ألحقه القافة بغيره انقطع نسبه وعليه القصاص لأنه أجنبي وإن رجعا جميعا عن الدعوة لم يقبل رجوعهما لأن النسب حق للولد وقد ثبت بإقرارهما فلم يقبل رجوعهما عنه كما لو أقر له بمال بخلاف ما لو رجع أحدهما منفردا فإن نسب الولد لا ينقطع برجوعه وحده وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قصاص ولو أنكر أحدهما النسب لأن النسب لا ينقطع عنه بإنكاره بخلاف التي قبلها وإن قتل زوجته ولها منه ولد لم يجب القصاص لأنه إذ لم يجب عليه بجنايته عليه لم يجب بجنايته عل غيره وسواء كان لها ولد من غيره أو لم يكن لأن القصاص لا يتبعض فإذا سقط نصيب ولده سقط باقيه كما لو عفا أحد الشريكين وإن قتل خال ولده فورثته أمه ثم ماتت فورثها الولد سقط القصاص كذلك وإن اشترى المكاتب أباه فقتل أبوه عبدا له لم يجب القصاص كذلك وإن جنى المكاتب على أبيه لم يجب القصاص لأنه عبده فلا يقتص له من سيده‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏قتل الولد بكل واحد من الأبوين‏]‏

ويقتل الولد بكل واحد من الأبوين وعنه‏:‏ لا يقتل لأنه لا تقبل شهادته له لأجل النسب أشبه الأب والمذهب‏:‏ الأول لظاهر الآية والأخبار والقياس وقياسه على الوالد ممتنع لتأكد حرمة الوالد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مشاركة الإنسان غيره في القتل وأقسامها‏]‏

إذا شارك الإنسان غيره في القتل لم يخل من أربعة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن يشترك جماعة في قتل من يكافئهم عمدا فيجني كل واحد منهم جناية يضاف إليها القتل لو انفردت فيجب القصاص على جميعهم وعنه‏:‏ لا يجب على واحد منهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ مفهومه أنه لا يؤخذ به أكثر من نفس واحدة والمذهب الأول لما روى سعيد بن المسيب‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا واحدا وقال‏:‏ لم تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا ولم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنه لو لم يجب القصاص على جميعهم جعل الاشتراك وسيلة إلى سفك الدماء‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن يقتلوه عمدا أو بعضهم غير مكافئ مثل أن يشترك اثنان في قتل ولد أحدهما أو حر وعبد في قتل عبد أو مسلم وذمي في قتل ذمي ففيه روايتان‏:‏

أظهرهما‏:‏ أنه يجب القصاص على المكافئ لأنه شارك في القتل العمد العدوان فوجب عليه القصاص كشريك المكافئ‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجب لأنه قتل تركب من موجب وغير موجب فلا يوجب كما لو كان شريكه خاطئا‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يقتلا مكافئا وأحدهما عامد والآخر خاطئ ففيه روايتان‏:‏

أظهرهما‏:‏ لا قصاص فيه لأنه قتل لم يتمخض عمدا فلم يوجب القصاص كعمد الخطأ وكما لو قتله بجرحين عمد وخطأ‏.‏

والثانية‏:‏ يجب القصاص على العامد لأنه شارك في القتل عمدا عدوانا فوجب عليه القصاص كشريك العامد والحكم في شريك الصبي والمجنون كالحكم في شريك الخاطئ لأن عمدهما خطأ‏.‏

القسم الرابع‏:‏ شارك سبعا أو إنسانا في قتل نفسه مثل أن يجرح رجلا عمدا أو يجرح الرجل نفسه عمدا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجب القصاص لذلك‏.‏

والآخر‏:‏ لا يجب القصاص لأنه إذ لم يجب على شريك الخاطئ وجنايته مضمونة فهاهنا أولى وإن جرحه فتداوى بسم غير موح إلا أنه يقتل غالبا أو خاط لحم جرحه في لحم حي أو خاف التآكل فقطعه فمات أو فعل هذا وليه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ الحكم في شريكه كالحكم فيما لو جرح نفسه عمدا لأنه عمد هذا الفعل‏.‏

والثاني‏:‏ أنه كشريك الخاطئ لأنه لم يقصد الجناية على نفسه إنما قصد المداواة فكان فعله عمدا خطأ فلم يجب القصاص على شريكه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن جرح رجلا جرحا وجرح آخر مائة‏]‏

وإن جرح رجلا جرحا وجرح آخر مائة فهما سواء لأنه قد يموت من الواحد ولا يموت من المائة ولا يمكن إضافة القتل إلى أحدهما بعينه ولا الإسقاط فوجب على الجميع وإن قطع أحدهما من الكوع والآخر من المرفق فهما سواء لأنهما جرحان حصل الزهوق عقيبهما فأشبه ما لو كانا في يدين وإن قطع أحدهما يده ثم ذبحه الآخر أو شق بطنه أو أبان حشوته فعلى الأول ما على قاطع اليد منفردة‏.‏

والثاني‏:‏ هو القاتل لأنه قطع سراية القطع فصار كما لو اندمل القطع ثم قتله وإن كان قطع اليد آخر فالأول القاتل ولا ضمان على قاطع اليد لأنه صار في حكم الميت إنما يتحرك حركة المذبوح ولا حكم لكلامه في وصيته ولا غيرها وإن أجافه جائفة يتحقق الموت منها إلا أن الحياة فيه مستقرة ثم ذبحه آخر فالقاتل هو الثاني لأن حكم الحياة باق ولهذا أوصى عمر رضي الله عنه بعدما سقي اللبن فخرج من جرحه وأيس منه فعمل بوصيته فأشبه المريض المأيوس منه وإن ألقى رجلا من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده قبل وقوعه فالقصاص على من قده لأنه مباشر للإتلاف فانقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع‏.‏

باب‏:‏ جنايات العمد الموجبة للقصاص

وهي تسعة أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ أن يجرحه بمحدد يقطع اللحم والجلد كالسيف والسكين والسنان والقدوم وما حدد من حجر أو خشب أو قصب أو زجاج أو غيره أو بما له مور وغور كالمسلة والسهم والقبة المحددة فيموت به فهذا موجب للقصاص إجماعا وإن غرزه بإبرة في مقتل كالصدر والفؤاد والخاصرة والعين وأصل الأذن فمات وجب القود لأن هذا في المقتل كغيره في غيره وإن غرزه في غير مقتل كالألية والفخذ فبقي منه ضمانا حتى مات وجب القود لأن الظاهر موته به وإن مات في الحال ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا قود فيه لأنه لا يقتل غالبا أشبه ما لو ضربه بعصاة‏.‏

والثاني‏:‏ فيه القود لأن له مورا وسراية في البدن وفي البدن مقاتل خفية أشبه ما لو غرزه في مقتل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثاني من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم الثاني‏:‏ ضربه بمثقل كبير يقتل مثله غالبا سواء كان من حديد أو خشب أو حجر أو ألقى عليه حائطا أو حجرا كبيرا أو رض رأسه بحجر فعليه القود لما روى أنس‏:‏ أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين متفق عليه وفي مسلم‏:‏ فأقاده ولأنه يقتل غالبا أشبه المحدد وإن ضربه بقلم أو إصبع أو شبههما أو مسه بكبير مسا فلا قود فيه لأنه لم يقتله وإن كان مما لا يحتمل الموت به كالعصا والوكزة بيده فكان في مقتل أو مرض أو صغر أو شدة برد أو حر أو والى الضرب به أو عصر خصيتيه عصرا شديدا بحيث يقتل غالبا ففيه القود لأنه يقتل غالبا أشبه الكبير وقد وكز موسى عليه السلام القبطي فقضى عليه وإن لم يكن مثله يقتل غالبا فهو عمد الخطأ لا قود فيه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إلا أن دية القتل شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثالث من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم الثالث‏:‏ منع خروج نفسه إما بخنقه بحبل أو غيره أو غمه بمخدة أو وضع يده على فيه مدة يموت فيها غالبا ونحو هذا ففيه القود لأنه يقتل غالبا وإن خلاه حيا متألما فمات فعليه القود لأنه مات من سراية جنايته أشبه الميت من الجرح وإن صح منه ثم مات لم يضمنه لأنه لم يقتله أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات وإن كان ما فعله به لا يموت منه غالبا فمات فهو عمد الخطأ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الرابع من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم الرابع‏:‏ إلقاؤه في مهلكة كالنار والماء الكثير الذي لا يمكن التخلص منه لكثرته أو ضعف الملقى أو ربطه ونحو ذلك أو في بئر ذات نفس أو ألقاه من شاهق يقتل غالبا ففيه القود لأنه يقتل غاليا وإن كان لا يقتل غالبا أو التخلص منه ممكن فلا قود فيه لأنه عمد الخطأ وإن التقمه في الماء القليل حوت فلا قود فيه كذلك وإن ألقاه في لجة لا يمكن التخلص منها فالتقمه الحوت فيها أو قبل وصوله إليها ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ فيه القود لأنه ألقاه في مهلكة فهلك أشبه ما لو هلك بها‏.‏

والثاني‏:‏ لا قود لأنه هلك بغير ما قصد إهلاكه به أشبه الذي قبله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الخامس من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم الخامس‏:‏ أن ينهشه حية أو سبعا قاتلا أو يجمع بينه وبين أسد أو نمر أو حية في موضع ضيق أو ألقاه مكتوفا بين يدي أسد أو نحوه مما يقتل غالبا ففعل به السبع فعلا أو فعله الملقي أوجب القود ففيه القود لأن فعل السبع كفعله لأنه صار آلة له والحيات كلها سواء في أحد الوجهين لأنها جنس يقتل سمه غالبا وفي الآخر إن كانت الحية مما لا يقتل سمها غالبا كحية الماء وثعبان الحجاز فلا قود فيها لأن هذا لا يقتل غالبا أشبه الضرب بمثقل صغير وإن ألقاه مكتوفا في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فلا قود فيه لأنه مما لا يقتل غالبا فكان عمد الخطأ وقال القاضي‏:‏ حكمه حكم الممسك للقتل على ما سنذكره لأنه أمسكه بربطه حتى قتلته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم السادس من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم السادس‏:‏ سقاه سما مكرها أو خلطه بطعامه أو بطعام قدمه إليه أو أهداه إليه فأكله غير عالم بحاله ففيه القود لما روي أن يهودية أهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر شاة مصلية فأكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قال‏:‏ ‏[‏ارفعوها فإنها قد أخبرتني أنها مسمومة‏]‏ فأرسل إلى اليهودية فقال‏:‏ ‏[‏ما حملك على ما صنعت‏؟‏‏]‏ فقالت‏:‏ إن كنت نبيا لم يضرك وإن كنت ملكا أرحت الناس منك فأكل منها بشر بن البراء بن معرور فمات فأرسل إليها فقتلها رواه أبو داود ولأنه يقتل غالبا أشبه القتل بالسلاح وإن خلطه بطعام وتركه في بيت نفسه فدخل رجل فأكل فمات فلا قود لأنه عمد قتل نفسه فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه وإن ادعى ساقي السم أنه لم يعلم أنه يقتل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ عليه القود لأن السم يقتل غالبا‏.‏

والثاني‏:‏ لا قود فيه لأنه يجوز خفاء ذلك عليه فتكون شبهة يسقط بها القود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم السابع من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم السابع‏:‏ قتله بسحر يقتل غالبا ففيه القود لأنه يقتل غالبا أشبه السكين وإن كان مما لا يقتل غالبا فهو خطأ العمد وإن ادعى الجهل بكونه يقتل غالبا وكان مما يجوز خفاؤه عليه فيه فلا قود عليه لأنه يخل بمتحض العمد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثامن من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم الثامن‏:‏ حبسه ومنعه الطعام والشراب مدة يموت في مثلها غالبا فمات ففيه القود لأنه يقتل غالبا وإن كانت المدة لا يموت فيها غالبا فهو شبه عمد وإن حبسه على ساحل بحر في مكان يزيد عليه الماء غالبا زيادة تقتله فمات منه ففيه القود لأنه يقتل غالبا وإن كانت الزيادة غير معلومة فهو شبه عمد وإن أمسكه لرجل ليقتله فقتله ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ عليه القصاص لأنه تسبب إلى قتله بما يقتل غالبا فأشبه شهود القصاص إذا رجعوا‏.‏

والثانية‏:‏ لا قصاص لكن يحبس حتى يموت لما روى ابن عمر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك‏]‏ أخرجه الدارقطني ولأنه حبس إلى الموت فيفعل به مثل فعله وسواء حبسه بيديه أو بجناية عليه أو غير ذلك وإن أمسكه لغير القتل فقتل فلا ضمان على الممسك لأنه لم يقتله ولا قصد قتله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم التاسع من جنايات العمد الموجبة للقصاص‏]‏

القسم التاسع‏:‏ أن يتسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا أربعة أنواع‏:‏

أحدها‏:‏ أن يكره غيره على قتله فيجب القصاص على المكره والمكره جميعا لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا أشبه ما لو أنهشه حية أو أسدا أو رماه بسهم والمكره قتله ظلما لاستبقاء نفسه فلزمه القصاص كما لو قتل في المجاعة ليأكله‏.‏

النوع الثاني‏:‏ أن يأمر من لا يميز بين المجانين والصبيان أو عبدا أعجميا لا يعلم تحريم القتل بقتله فيقتله فعلى الآمر القصاص دون المأمور لأن المأمور صار كالآلة له فأشبه الأسد والحية وإن كان المأمور مميزا فلا قود على الآمر لأن المأمور له قصد صحيح فأشبه ما لو كان رجلا عاقلا فإن كان العبد يعلم تحريم القتل فالقصاص عليه لأنه مباشر للقتل مختار عالم بتحريمه فأشبه الحر ويؤدب السيد لتسببه إليه وإن أمر السلطان رجلا يقتل رجل بغير حق ولم يعلم الحال فقتله فالقصاص على الآمر لأن المأمور معذور في قتله لكونه مأمورا بطاعة السلطان من غير المعصية والظاهر أنه لا يأمر إلا بحق وإن علم أنه مظلوم فالقصاص عليه وحده لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق‏]‏ من المسند فصار كالقاتل من غير أمر وإن أمر غير السلطان بالقتل فقتل فالقصاص على القاتل وحده علم أو جهل لأنه لا تلزمه طاعته‏.‏

النوع الثالث‏:‏ أن يشهر رجلان على رجل بما يوجب القتل فقتل بغير حق ثم رجعا عن الشهادة وأقرا أنهما فعلا ذلك ليقتل فعليهما القود لما روى القاسم بن عبد الرحمن‏:‏ أن رجلان شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن الشهادة فقال‏:‏ لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما وغرمهما دية يده ولأنهما قتلاه بسبب يقتل غالبا أشبه المكره‏.‏

الرابع‏:‏ الحاكم إذا حكم عليه بما يوجب قتله ظلما متعمدا فقتل فعليه القصاص لذلك وكذلك الولي الذي أمر بقتله إذا أقر أنه علم براءته وأمر بقتله ظلما‏.‏

باب‏:‏ القصاص فيما دون النفس

يجب القصاص فيما دون النفس بالإجماع لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص‏}‏ وروى أنس أن الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية فعرضوا عليهم الأرش فأبوا إلا القصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال‏:‏ يا رسول الله تكسر ثنية الربيع‏؟‏ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏كتاب الله القصاص‏]‏ فعفا القوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره‏]‏ أخرجه البخاري ومسلم‏.‏ ولأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى الحفظ فكان كالنفس في القصاص‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من لا يقاد بغيره في النفس لا يقاد به فيما دونها‏]‏

ومن لا يقاد بغيره في النفس لا يقاد به فيما دونها بغير خلاف ومن يقاد بها في النفس يقاد بها فيما دونها وعنه‏:‏ لا قصاص بين العبيد في الأطراف لأنها أموال والمذهب‏:‏ الأول لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القصاص فكان كالنفس فيما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترك جماعة في إبانة عضو دفعة واحدة‏]‏

وإن اشترك جماعة في إبانة عضو دفعة واحدة مثل أن يتحاملوا على الحديدة تحاملا واحدا حتى يبينوا يده فعلى جميعهم القصاص لحديث علي رضي الله عنه ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ فيه الجماعة بالواحد كالنفس وإن تفرقت جناياتهم بأن قطع كل واحد من جانب أو قطع واحد وأتمه آخر أو قطعا بمنشار يمده كل واحد مرة فلا قصاص لأن فعل كل واحد في بعض العضو فلم يجز أخذ جميع عضوه كما لو لم يقطع الآخر وعنه‏:‏ لا يؤخذ طرف الجماعة بواحد كما ذكرنا في النفوس ولأن ذلك مما يجب في النفوس للزجر كي لا يتخذ الاشتراك وسيلة إلى إسقاط القصاص ولا يوجد ذلك في الأطراف لندرة الحالة التي يمكن إيجاب القصاص بها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نوعا القصاص فيما دون النفس‏]‏

والقصاص فيما دون النفس نوعان‏:‏ جروح وأطراف فأما الجروح‏:‏ فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم سواء كان موضحة في رأس أو وجه أو ساعد أو عضد أو فخذ أو ساق أو ضلع أو غيره لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأنه أمكن الاقتصاص من غير حيف فوجب كما في الطرف وما لا ينتهي إلى عظم كالجائفة وما دون الموضحة من الشجاج أو كانت الجناية على عظم ككسر الساعد والعضد والهاشمة والمنقلة والمأمومة لم يجب القصاص لأن المماثلة غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفى أكثر من الحق فسقط إلا إذا كانت الشجة فوق الموضحة فله أن يقتص موضحة لأنها بعض جنايته وقد أمكن القصاص فوجب كما لو كانت جناية في محلين وفي وجوب الأرش الباقي وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجب وهو قول ابن حامد لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر في جميعها‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجب وهو اختيار أبي بكر لأنه جرح واحد فلا يجمع فيه بين قصاص وأرش كالشلاء بالصحيحة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الموضحة‏]‏

ويجب في الموضحة قدرها طولا وعرضا لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ والقصاص‏:‏ المماثلة ولا يمكن في الموضحة إلا بالمساحة فإن كانت في الرأس حلق موضعها في رأس الجانب وعلم القدر المستحق بسواد أو غيره ثم اقتص فإن كانت في مقدم الرأس أو مؤخره أو وسطه فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها لم يجز غيره وإن زاد قدرها على موضعها من رأس الجاني استوفى بقدرها وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله لأن الجميع رأس وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله لم يجز أن ينزل إلى الوجه ولا القفا لأنه قصاص في غير العضو المجني عليه فيقتص في رأس الجاني كله وهل له الأرش لما بقي‏؟‏ على وجهين كما تقدم وإن كانت الموضحة في الساعد وزاد قدرها على ساعد الجاني لم ينزل إلى الكف ولم يصعد إلى العضد وإن كان في السياق لم ينزل إلى القدم ولم يصعد إلى الفخذ كما ذكرنا في الرأس وإن أوضح جميع رأسه ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه أن يبتدئ بالقصاص من أي جانب شاء من رأس الجاني لأن الجميع محل الجناية وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر أو شين فيمنع لذلك لأنه لم يجاوز موضع الجناية ولا قدرها ويحتمل أن لا يجوز لأنه يأخذ موضحتين بموضحة وإن أوضحه موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فللمجني عليه الخيار بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة وبين أن يوضحه موضحتين يقتص فيهما على قدر الواجب له ولا أرش له في الباقي وجها واحدا لأنه يترك الاستيفاء مع إمكانه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الأطراف‏]‏

النوع الثاني‏:‏ الأطراف ويجب القصاص فيها إذا كان القطع ينتهي إلى عظم فتقلع العين بالعين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ ولأنه يمكن القصاص فيها لانتهائها إلى مفصل فوجب كالموضحة وتؤخذ عين الشاب الصحيحة الحسناء بعين الشيخ المريضة الرمصاء كما يؤخذ الشاب الصحيح الجميل بالشيخ المريض ولا تؤخذ صحيحة بقائمة لأنه يأخذ أكثر من حقه ويجوز أن يأخذ القائمة بالصحيحة لأنها دون حقه كالشلاء بالصحيحة ولا أرش له معها لأن التفاوت في الصفة وإن جنى على رأسه بلطمة فأذهب ضوء عينيه وجب القصاص لأن الضوء لا يمكن مباشرته بالجناية فوجب القصاص فيه بالسراية كالنفس فإن كانت اللطمة لا تفضي إلى تلف العين غالبا فلا قصاص فيه لأنه شبه عمد أشبه ما لو قتله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قلع عين الأعور‏]‏

وإن قلع الأعور عين مثله عمدا ففيه القصاص لتساويهما وإن قلع عين صحيح فلا قصاص عليه وعليه دية كاملة لأن ذلك يروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ولأنه لم يذهب بجميع بصره فلم يجز أن يذهب بجميع بصره كما لو كان ذا عينين ويجب جميع الدية لأنه لما درئ عنه القصاص لفضيلته ضوعفت الدية عليه كالمسلم إذا قتل الذمي عمدا وإن قلع عيني صحيح خير بين قلع عينه ولا شيء له سواه لأنه أخذ جميع بصره لجميعه وبين دية عينيه لأن القصاص لم يتعذر وإن قلع صحيح عين الأعور فله الاقتصاص من مثلها ويأخذ نصف الدية نص عليه لأن عينه كعينين لاشتمالها على جميع البصر ومقامها مقام العينين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الجفن‏]‏

ويؤخذ الجفن بالجفن لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأنه ينتهي إلى فصل ويؤخذ جفن كل واحد من الضرير والبصير بالآخر لأنهما متساويان في السلامة والنقص وعدم البصر نقص في غيره فلم يمنع جريان القصاص فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الأنف‏]‏

ويؤخذ الأنف بالأنف لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والأنف بالأنف‏}‏ ولا يجب القصاص إلا في المارن وهو ما لان منه لأنه ينتهي إلى مفصل ويؤخذ الشام بالأخشم والأخشم بالشام لتساويهما في السلامة وعدم الشم ونقص في غيره ويؤخذ البعض بالبعض فيقدر ما قطعه بالأجزاء كالنصف والثلث ثم يقتص من مارن الجاني بمثله ولا يؤخذ بالمساحة لأنه يفضي إلى أخذ جميع أنف الجاني ببعض أنف المجني عليه ويؤخذ المنخر بالمنخر والحاجز بين المنخرين بالحاجز ولا يؤخذ مارن صحيح بمارن سقط بعضه أو انخرم لأنه يأخذ أكثر من حقه ولا يؤخذ صحيح بمستحشف كذلك ويحتمل أن يؤخذ لأنه يقوم مقام الصحيح ويؤخذ الذي سقط بعضه بالصحيح وفي الأرش في الباقي وجهان ويؤخذ المستحشف بالصحيح من غير أرش لأنه نقص معنى فهو كالشلل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الأذن‏]‏

وتؤخذ الأذن بالأذن لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏والأذن بالأذن‏}‏ ولأنها تنتهي إلى حد فاضل وتؤخذ أذن السميع بأذن الأصم وأذن الأصم بأذن السميع كما ذكرنا في الأنف والمثقوبة للزينة كالصحيحة لأن الثقب ليس بنقص ويؤخذ البعض بالبعض ولا تؤخذ صحيحة بمخرومة وتؤخذ المخرومة بالصحيحة وفي الأرش للباقي وجهان‏.‏

وتؤخذ المستحشفة بالصحيحة وفي أخذ الصحيحة بالمستحشفة وجهان كما ذكرنا في الأنف وإن شق أذنيه فألصقهما صاحبها فالتصقت فلا قصاص لتعذر المماثلة وإن قطعها فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت فقال القاضي‏:‏ له القصاص لأنه وجب بالقطع فلم يسقط بالإلصاق وقال أبو بكر‏:‏ لا قصاص فيها لأنا لم تبن على الدوام أشبه الشق وله أرش الجرح فإن سقطت بعد ذلك قريبا أو بعيدا رد الأرش وله القصاص وإن اقتص من الجاني فقطع أذنه فألصقها فالتصقت برئ من حقه لأن الاستيفاء حصل بالإبانة وإن لم يبنها قطع بعضها فالتصقت فله قطع جميعها لأنه استحق إبانته ولم يفعل والحكم في السن كالحكم في الأذن فيما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ في السن بالسن

وتؤخذ السن بالسن لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسن بالسن‏}‏ ولحديث الربيع ولأنه محدود في نفسه يمكن القصاص فيه فوجب كالأذن ولا تؤخذ صحيحة بمكسورة وتؤخذ المكسورة بالصحيحة وفي الأرش للباقي وجهان وإن كسر بعض السن برد من سن الجاني مثله بقدر الأجزاء إلا أن يتوهم انقلاعها أو سوادها فيسقط القصاص لأن توهم الزيادة يسقط القصاص كقطع اليد من غير مفصل ولا يقتص الحال كالشعر وإن مات قبل اليأس من عودها فلا قصاص لعدم تحقق الإتلاف فلا يجوز استيفاؤه مع الشك فإن لم تعد ويئس من عودها وجب القصاص لأن ذلك حصل بالجناية وإن يئس من عودها فاقتص أو اقتص من سن كبير فنبت له مكانها فعليه دية سن الجاني لأنه قلع سنا بغير سن فإن نبتت سن الجاني أيضا أو قلع النابتة للمجني عليه فلا شيء لواحد منهما وإن نبتت سن الجاني دون المجني عليه فله قلعها لأنه أعدم سنه على الدوام فملك أن يفعل به ذلك ويحتمل ألا يملكه لأنه قلعت له سن فلا يملك قلع سنين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الشفة‏]‏

وتؤخذ الشفة بالشفة وهي‏:‏ ما جاوز حد الذقن والخدين علوا وسفلا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأنها تنتهي إلى حد معلوم يمكن القصاص فيه فوجب كالأنف ويؤخذ البعض بالبعض ويقدر بالأجزاء كبعض المارن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في اللسان‏]‏

ويؤخذ اللسان باللسان للآية والمعنى وبعضه ببعضه لما ذكرنا ولا يؤخذ أخرس بناطق لأنه أكثر من حقه ويؤخذ الأخرى بالناطق لأنه دون حقه ولا أرش معه لأن التفاوت في المعنى لا في الأجزاء ويؤخذ لسان الفصيح بلسان الألثغ ولسان الصغير كما يؤخذ الكبير الصحيح بالطفل المريض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في اليد‏]‏

وتؤخذ اليد باليد والرجل بالرجل وكل إصبع بمثلها وكل أنملة بمثلها للآية والمعنى فإن قطع يده من الكوع أو المرفق فله أن يقتص من موضع القطع وليس له أن يقتص من دونه لأنه أمكنه استيفاء حقه من موضعه فلم يجز أن يستوفي من غيره وإن قطعت يد من العضد أو الساعد لم يجز الاقتصاص من موضع القطع بغير خلاف لأنه لا يأمن الزيادة وهل له أن يقتص من مفصل دونه‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ليس له ذلك اختاره أبو بكر لما روى نمران بن جارية عن أبيه‏:‏ أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستدعى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال‏:‏ إني أريد القصاص‏:‏ قال‏:‏ ‏[‏خذ الدية بارك الله لك فيها‏]‏ ولم يقض له بالقصاص رواه ابن ماجة ولأنه يقتص من غير محل الجناية فلم يجز كما لو أمكن القصاص من محل الجناية‏.‏

والثاني‏:‏ له أن يقتص اختاره بعض أصحابنا فإذا قطعت من الساعد فله أن يقتص من الكوع وإن قطعت من العضد فله أن يقتص من المرفق لأنه عجز عن استيفاء حقه وأمكنه أخذه دونه فجاز كما لو جرح مأمومة فأراد أن يقتص موضحة وفي أخذ الحكومة للباقي وجهان وإذا قطعت يده من العضد لم يملك أن يقطع من الكوع لأنه أمكنه استيفاء الذراع قصاصا فلم يكن له قطع ما دونه كما لو قطع من المرفق وإن قطعها من الكتف فقال أهل الخبرة يمكن الاقتصاص من غير جائفة فله ذلك لأنه مفصل وليس له أن يقتص مما دونه وإن قالوا‏:‏ نخاف الجائفة فلا قصاص منها لأنها يخاف الزيادة وفي الاقتصاص من المرفق وجهان وحكم الرجل في القصاص من مفاصلها من القدم والركبة والورك حكم اليد سواء على ما بينا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم أخذ الصحيحة بالشلاء‏]‏

ولا تؤخذ صحيحة بشلاء لأنها فوق حقه فأما الشلاء بالصحيحة أو بالشلاء فإن قال أهل الخبرة‏:‏ لا يخاف عليه اقتص لأنه يأخذ حقه أو دونه ولا أرش بالشلل لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت في الصفة فأشبه الذمي مع المسلم وإن قالوا‏:‏ إن قطعت خيف ألا تنسد العروق ويدخل الهواء البدن فيفسد لم يجز أن يقتص لخوف الزيادة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم أخذ الكاملة بالناقصة‏]‏

ولا تؤخذ كاملة بناقصة فلا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها ولا ذات خمس أصابع بذات أربع ولا بذات خمس بعضها أشل لأنه أكثر من حقه وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بقدر أصابعه‏؟‏ على الوجهين فإن قلنا‏:‏ له قطعها فهل يدخل أرش ما تحت الأصابع من الكف في القصاص‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تدخل كما تدخل في ديتها‏.‏

والثاني‏:‏ لا تدخل لأنه جزء يستحق إتلافه تعذر عليه أخذه فوجب أرشه كالمنفرد فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة لم تمنع القصاص عند ابن حامد لأنها عيب ونقص في المعنى فلم يمنع وجودها أخذها بالكاملة كالسلعة فيها واختار القاضي‏:‏ أنها تمنع لأنها زيادة في الأصابع أشبهت الأصلية فإن قطع ناقص الأصابع يدا كاملة وجب القصاص لأنه يأخذ دون حقه وفي وجوب الدية للأصابع الزائدة وجهان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قطع ذو يد كاملة كفا فيها أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة‏]‏

وإن قطع ذو يد كاملة كفا فيها أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة لم يجب القصاص لأنه يأخذ أكثر من حقه وفي جواز الاقتصاص من أصابعه الأصلية وجهان فإن اقتص منها فهل له حكومة في الزيادة‏؟‏ على وجهين لما تقدم وإن قطع له من أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة كفا كاملة الأصابع ملك القصاص ولا أرش له لنقصان الزائدة لأنها كالأصلية في الخلقة وإنما هي ناقصة في المعنى وإن كان في يد كل واحد منهما إصبع زائدة أخذت إحداهما بالأخرى لتساويهما وإذا قطع إصبعا فتآكلت إلى جانبها أخرى وسقطت من مفصل أو تآكل الكف وسقط من الكوع وجب القصاص في الجميع لأنه تلف بسراية قطع مضمون بالقصاص فوجب فيه القصاص كالنفس وإن شلت إلى جانبها أخرى لم يجب القصاص في الشلاء لأنها لو شلت بجنايته مباشرة لم يجب القصاص فهاهنا أولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الأليتين‏]‏

وتؤخذ الأليتان بالأليتين لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ ولأنهما ينتهيان إلى حد فاصل فوجب فيهما القصاص كالشفتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الذكَر‏]‏

وتؤخذ الذكَر بالذكَر كذلك ويؤخذ بعضه ببعضه لما ذكرنا في الأنف ويؤخذ كل واحد من الأقلف والمختون بمثله لأن زيادة أحدهما على الآخر بجلدة تستحق إزالتها ولا يؤخذ صحيح بأشل لأن الأشل ناقص فلم يؤخذ به كامل كاليد ولا يؤخذ ذكر الفحل بذكر الخصي لأنه ناقص لعدم الإنزال والإيلاد ولا بذكر خنثى لأنه لا يعلم أنه ذكر وفي أخذ الصحيح بذكر العنين وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يؤخذ به لنقصه‏.‏

والثاني‏:‏ يؤخذ به لأنه غير مأيوس منه أشبه المريض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في الأنثيين‏]‏

وتؤخذ الأنثيين بالأنثيين للآية والمعنى فإن قطع إحداهما وقال أهل الخبرة‏:‏ يمكن أخذها من غير تلف الأخرى اقتص منه وإن قالوا‏:‏ يخاف تلف الأخرى لم يقتص منه لتوهم الزيادة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في شفري المرأة‏]‏

ولا قصاص في شفري المرأة عند القاضي لأنه لحم لا مفصل له ينتهي إليه فلم يقتص منه كلحم الفخذ وقال أبو الخطاب‏:‏ فيهما القصاص لأنه يعرف انتهاؤهما فجرى فيهما القصاص كالشفتين وأجفان العينين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القصاص في قطع جزء من أجزاء الخنثى‏]‏

وإن قطع خنثى مشكل وأنثييه وشفريه فلا قصاص له حتى يتبين لأننا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي وإن طلب الدية وكان يرجى انكشاف حاله أعطي اليقين وهو دية شفري امرأة وحكومة في الذكر والأنثيين وإن كان مأيوسا من كشف حاله أعطي نصف دية ذلك كله وحكومة في نصفه الباقي وعلى قول ابن حامد‏:‏ لا حكومة فيه لأنه نقص‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم اختلاف العضوين في صغر أو كبر ونحو ذلك‏]‏

وإن اختلف العضوان في صغر أو كبر أو طول أو قصر أو صحة أو مرض لم يمنع القصاص لأن اعتبار التساوي في هذه المعاني يسقط القصاص فيسقط اعتبارها كما في النفس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما انقسم إلى يمين ويسار كالعينين ونحوهما‏]‏

وما انقسم إلى يمين ويسار كالعينين والأذنين والمنخرين واليدين والرجلين أو إلى أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين لم يؤخذ شيء منها بما يخالفه في ذلك ولا تؤخذ سن بسن غيرها ولا إصبع بإصبع تخالفها ولا أنملة بأنملة لا تماثلها في موضعها واسمها لأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض كالعين والأنف ولا تؤخذ أصلية من الأصابع والأسنان بزائدة ولا زائدة بأصلية لعدم التماثل بينهما وتؤخذ الزائدة بالزائدة وإذا اتفق محلاهما لتماثلهما وإن اختلف محلاهما لم تؤخذ إحداهما بالأخرى لأنهما مختلفتان في أصل الخلقة أشبه الوسطى بالسبابة وإن تراضى الجاني والمجني عليه بأخذ ما لا يجب القصاص فيه لم يجز لأن الدماء لا تستباح بالإباحة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن جرحه جرحا فيه القصاص فاندمل ثم قتله‏]‏

وإن جرحه جرحا فيه القصاص فاندمل ثم قتله وجب القصاص فيهما لأنهما جنايتان يجب القصاص في كل واحدة منهما منفردة فوجب عند الاجتماع كاليدين وإن قتله قب اندمال الجرح ففيه روايتان‏.‏

إحداهما‏:‏ يجب القصاص أيضا لما ذكرناه‏.‏

والثانية‏:‏ يقتل ولا قصاص في الجرح لأن القصاص في النفس أحد بدلي النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قتل واحد جماعة أو قطع عضوا من جماعة‏]‏

وإن قتل واحد جماعة أو قطع عضوا من جماعة لم تتداخل حقوقهم لأنها حقوق مقصودة لآدميين فلم تتداخل كالديون لكن إن رضي الكل باستيفاء القصاص منه جاز لأن الحق لهم فجاز أن يرضى الجماعة بالواحد كما لو قتل عبدا عبيدا خطأ فرضوا بأخذه وإن طلب واحد القصاص والباقون الدية فلهم ذلك وإن طلب كل واحد استيفاء القصاص مستقلا قدم الأول لأن له مزية السبق فإن أسقط حقه قدم الثاني ثم الثالث ويصير حق الباقين في الدية لأن القود فاتهم فانتقل حقهم إلى الدية كما لو مات وإذا قتلهم دفعة واحدة أو أشكل السابق قدم من تقع له القرعة لأن حقوقهم تساوت فوجب المصير إلى القرعة كالسفر بإحدى النساء فإن عفا من له القرعة أعيدت للباقين لتساويهم ومتى ثبت القصاص لأحدهم بالسبق أو بالقرعة فبادر غيره فقتله كان مستوفيا لحقه ووجب للآخر الدية كما لو قتل مرتدا كان مستوفيا لقتل الردة وإن أساء في الافتئات على الإمام وإن كان الأول غائبا أو صغيرا انتظر لأن الحق له وإن كان القتل في المحاربة فهو كالقتل في غيرها لأنه قتل موجب للقصاص فأشبه غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قطع طرف رجل وقتل آخر‏]‏

وإن قطع طرف رجل وقتل آخر قطع لصاحب الطرف ثم قتل للآخر تقدم القتل أو تأخر لأنه أمكن الجمع بين الحقين من غير نقص فلم يجز إسقاط أحدهما بخلاف التي قبلها وإن قطع يد رجل وإصبعا من آخر قدمنا السابق منهما أيهما كان لأن اليد تنقص بنقص الإصبع ولذلك لا تؤخذ الصحيحة بالناقصة بخلاف النفس فإنها لا تنقص بقطع الطرف بدليل أخذ الصحيح الأطراف بمقطوعها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قتل وارتد أو قطع يمينا وسرق‏]‏

وإن قتل وارتد أو قطع يمينا وسرق قدم حق الآدمي لأن حقه مبني على الشديدة لشحه وحاجته وحق الله مبني على السهولة لغنى الله وكرمه‏.‏